لا أحد من الفرنسيين كان يسأل، من هم قادة "المقاومة السرية"...وهي المقاومة التي إنتظمت مباشرة، بعد الإحتلال النازي لفرنسا، في يونيو من العام 1940 م، وإنضم إليها لفيف من علية النخب الفرنسية، مثل الفليسوف الوجودي جان بول سارتر...فمن كان يأنس في نفسه القدرة على المشي في الدروب الوعرة، كان ينضم للمقاومة السرية، ولم يكن ثمة شرط للإنضمام إليها، سوى أن يكون المتقدم من الرافضين للإنصياع لسلطات الإحتلال النازي، ولا يهم أن يكون من أنصار ديغول أو من الشيوعيين أو غيرهم.....الجستابو [البوليس السري الألماني] وحده كان يسأل: من هم قادة المقاومة السرية؟ ومن هم أعضاؤها؟ وكان يبحث عنهم في كل مكان....تصوروا لو أن مواطنآ فرنسيا، صاح في تلك الظروف العصيبة، نريد أن نعرف من هم قادة المقاومة السرية؟ كيف كان سيبدو في نظر من حوله من الفرنسيين؟ من المؤكد كان سيعد أنه في خدمة الجستباو.
وفي ظروف مشابهة لظروف عمل، المقاومة السرية الفرنسية ضد الإحتلال النازي، فإن تجمع المهنيين، يقود ثورة 19 ديسمبر الشبابية من تحت الأرض، لإستعادة الدولة السودانية المختطفة، من قبل عصابة الأخوان المسلمين...ولماذا تحت الأرض، أيّ تحت غطاء التخفي والسرية؟ لأنه كما أسلفنا يعمل في ظروف مطابقة، لعمل المقاومة الفرنسية السرية ضد الإحتلال النازي...فرجال جهاز الأمن الوطني الباطش، والأمن الشعبي، وقوات الشرطة الرسمية، ينتشرون في الشوارع، بحثآ عن قادة تجمع المهنيين، حتى أن جهاز الأمن أصدر أمرآ بإزالة (التظليل) من السيارات، بالرغم من أن أصحاب السيارات المظللة، قد دفعوا رسومآ باهظة، للحصول على الترخيص...وهذا يعتبر فشلآ كبيرآ لصلاح قوش، رئيس جهاز الأمن الوطني {الجستابو الأخواني} الذي إضطر أن يلجأ إلى هذا الأسلوب البدائي، بعد شهر ونيف من الفشل، في العثور على قادة تجمع المهنيين...وأكثر من هذا، فإن الفشل دفع صلاح قوش، إلى إسلوب بدائي آخر، وهو أسلوب الإستفزار، الذي لا يقع في حبائله إلا الحمقى والمغفلين.....فقد أطلق حملة تسهتدف شيطنة قادة تجمع المهنيين، ودق إسفين بينهم وبين شباب الثورة الأشاوس، وهي حملة يمكن أن نسميها بحملة {من هم؟}:: || من هم أعضاء تجمع المهنيين؟ وكيف يستجيب الشباب لأناس مجهولين؟ إنهم مجموعة من الشيوعين والحزب الشيوعي هو الذي يحركهم.||.....فصلاح قوش الذي تراوده أحلام القبض على قادة تجمع المهنيين، يؤكد بأسئلته تلك، أنه رجل فاشل بكل محمولات هذه الكلمة....فرؤساء أجهزة الأمن يكتشفون ويخترقون ويعرفون، لا يسألون مثلهم مثل غمار الناس....... وما يثير السخرية أكثر، أنه يسأل بعد شهر من إندلاع الثورة، ومعنى ذلك انه يسأل بعد أن فشل طوال هذه المدة، في الإكتشاف والإختراق....وحتى قبضه على الدكتور الأصم عضو قيادة تجمع المهنيين، ورميه وراء القضبان، لم يتأت له إلا بعد أن أعلن عن نفسه في فيديويوتيوب، في مغامرة غير ضرورية قطعآ، ثم ذهب ليشترك في أحد المواكب.
وكي يكون الإستفزار فاعلآ وضاغطآ وقويآ، قام قوش بتوسيع دائرة المشاركين في حملته، بتحريك بيادقه في الإعلام، منهم على سبيل المثال، ذاك المصعّد بآليات الدولة الأخوانية، إلى منصب رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين، ولو لا تلك الآليات لما كان شيئآ مذكورآ، والعنصري المفضوح في قناة سودانية 24 ...وهذه البيادق المأجورة، إنهمكت على الفور في نعيق هو صدى لنعيق سيدهم قوش....وإلى جانب هذه الأبواق، هناك ما يعرف بالذباب الإلكتروني، والمسؤولون الأخوان الذين تستضيفهم مختلف الفضائيات، لإبداء الرأي في مجريات الثورة... فجميعهم يرددون في كورال واحد::{من هم قيادة تجمع المهنيين}[كيف يستجيب الشباب لأناس مجهولين] {إن الحزب الشيوعي هو الذي يحرك تجمع المهنيين} .. فما الذي يريده هؤلاء الناعقون؟! ..يريدون أن تظهر قيادة تجمع المهنيين، في العلن، وأن يسلموا أنفسهم عن طواعية، لعدوهم وعدو الشعب قوش، المثقل كاهله بجرائم إطلاق الرصاص الحي، على الشباب بقصد القتل، علاوة على دهس المتظاهرين الشباب، بالسيارات المسماة بـــ{التاتشرات}وتعذيب المعتقلين، وإلقاء القنابل المسيلة للدموع في المستشفيات والمساجد، وإقتحام البيوت الآمنة عنوة...فهل ثمة هدف لهم غير هذا؟
فعندما تكون الشعوب منهمكة، في الكفاح ضد الديكتاتوريات والإحتلال، فإنها لا تسأل عن مكان قادتها المختبئين، فإن الذين يسألون هم أمثال قوش وهنريش هيملر، رئيس الجستابو، الذي كان يبحث عن قادة المقاومة الفرنسية السرية ...فالشعب الفرنسي لم يسأل عمن هم، لأن ما يهمه كان تحرير فرنسا، وليس معرفة أسماء قادة المقاومة....وشباب ثورة 19 ديسمبر، لم يسألوا أبدآ عمن هم قادة تجمع المهنيين، لأن الذي يهمهم وهو تحرير السودان من الإحتلال الأخواني، وليس معرفة أسماء قادة تجمع المهنيين.
فهل وصل الغباء بصلاح قوش الفاشل، أن يخطر بروعه ولو للحظة، أن هذا الشباب الثائر يمكن تشكيكه في قيادته بتلك الأسئلة البلهاء...وهم يعلمون تمامآ أن الهدف النهائي من هذا التشكيك، هو ضرب الثورة في مقتل، وإستفزاز قادة تجمع المهنيين والضغط النفسي عليهم، ليطلوا برؤوسهم فيجزها...طبقآ لما قاله السفاح البشير عند إطلالته البائسة في {ود الحداد}: (((سنجزهم))).....نعم أن الذي يسأل عمن هم قادة التجمع المهني، هو، رئيس جهاز الأمن صلاح قوش، وليس أيّ شخص آخر، ولسان حاله يقول قولة الحجاج بن يوسف، لأهل العرآق: ((لألوَحونكم لحو العود , ولأعصبنَكم عصب السلمة , لأضربنَكم ضرب غرائب الإبل))
وثمة علامة تشي بأن الثورة ولدت ناضجة، وهي أن هؤلاء الشباب المشرئب إلى آفاق جديدة، والذي أحدثت ثورته صدمة غائرة لدى كهنة المعبد الإنقاذي، قد إلتفوا حول تجمع المهنيين، منذ يوم تقدمه الصفوف لقيادة الثورة، في الخامس والعشرين من ديسمبر 2018 م، بالموكب الداعي للسفاح بالتنحي...وهذا الإلتفاف العفوي جاء لإدراكهم بحسهم السليم، أنه لابد من قيادة فاعلة لأية ثورة، وإلا لتحولت إلى عمل عبثي وعدمي.....وبألإضافة إلى ذلك، فإن أية ثورة تحتاج إلى مناصرة دولية، تساعد في لجم أيدي الطغاة، التي لا تعرف غير التنكيل والتقتيل، وتعترف بحق الثائرين في تقرير مصيرهم، عبر بناء مؤسسات ديمقراطية لدولة المواطنة المدنية، يكون فيها التداول السلمي للسلطة، هو ركيزة إستقرارها....والمجتمع الدولي لا يمكن أن يعترف للثوار بهذا الحق، ما لم يكن لثورتهم قيادة يطمئن إليها، ويستطيع أن يخاطبها ويجتمع بها إذا لزم الأمر.....وثورة بدون قيادة، تعني عند المجتمع الدولي مجرد فوضى...من هنا يتحتم الوعي بأهداف الفاشل صلاح قوش وأبواقه، في محاولتهم شيطنة تجمع المهنيين، والتشكيك فيه والقضاء عليه.
فمحاولة قوش وأبواقه الإعلامية، لإدخال تجمع المهنيين في قمقم الشيوعية، هي محاولة محكومة عليها بالموت، لأنه بهذا الزعم، يكشف عن عقلية لا تستقيم والمنطق السليم....فهو من جهة يسأل عمن هم، ومن جهة أخرى يتهمهم بالشيوعية...في ظني أن طفلآ صغيرآ لن يحتاج إلى جهد في إكتشاف هذا البارادوكس.
...إن تجمع المهنيين هو تجمع تكنوقراطي، يضم الأطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين وغيرهم، حمل على كاهله، بحكم شعوره العميق بمسؤوليته الوطنية، مهمة توصيل ثورة الشباب إلى شاطئ الإنتصار، لتتولى بعد ذلك حكومة مؤقتة من التكنوقراط، تسيير دولاب الدولة، والتحضير لإنتخابات حرة نزيهة، تحسم نتائجها صناديق الإقتراع....ولعل ما جعل تجمع المهنيين، أن يضطلع بهذا الدور القيادي التاريخي، هو تشرذم قوى المعارضة التقليدية، وقت تفجر الثورة على غرة....فإن الذين يشعرون بالمسؤولية عند المحكات التاريخية، لا ينتظرون أوامر من أحد، بل يتقدمون الصفوف...فعندما إحتلت القوات الهتلرية فرنسا، إلتقى ثلة من الإصدقاء، فقال: أحدهم "يجب أن نفعل شيئآ"...وهكذا بدأت المقاومة السرية الفرنسية ضد النازية، التي إنضم إليها المئات من الفرنسيين، دون أن يعرفوا من هم قيادتها السرية.
وهذا ما أقدم عليه تجمع المهنيين، الذي عركته معارك شهر ونيف من المنازلات الكبري، ضد العصابة الأخوانية ومليشياتها الدموية....منازلات تصدرها أسود جيل الشباب بعزيمة من حديد، أذهلت العصابة الأخوانية ورئيسها المخبول ومرجفيها.