( ) ٥٧ يوما مرت على بدء الاحتجاجات في السودان بين مد وجزر، لكن، المد أعلى، فالخميس (٧ فبراير) عرف يوما تاريخيا في الخرطوم.
( ) الثورة لم تعد فعلا منعزلا عن "يوميات" الشعب السوداني، فهي تسللت إلى كل بيت بشعاراتها ومفاهيمها، وهي بالفعل ثورة مفاهيمية في المقام الأول. ثورة تنشد الحرية والسلام والعدالة. ثورة تبتغي إعادة بناء الوطن على نحو جديد، إنساني، علمي، وعادل.
( ) وهي، إلى ذلك، تكشف، كل صباح، (المعدن) السوداني المدهش. إنها ثورة - حتى إن تأخر سقوط النظام - تزيح تدريجيا ركام ٣٠ سنة من الانحطاط، تنهض بمواقيتها الدقيقة كما (غرينتش)، وترفع راية الوطن حتى تحت التعذيب، وتغطي العين الجريحة بألوان العلم. تنشد النشيد الوطني، وتوقف مسيرتها من أجل بائع خضروات ليجمع حاجياته، لأنها لم تخرج إلا من أجل كرامته. ثورة تتحاشى المساس حتى برجال الأمن في موقف الضعف وتناديهم في طهرانية ب(قم .. نحن إخوانك). ثورة تجبر - بنبلها - كبريات صحف العالم على التغزل فيها. ثورة تجعل كل سوداني يفخر بانتمائه لكل ذرة من تراب هذا الوطن الغالي وشعبه العظيم. ثورة تكتب بياناتها بمقدمات من أشعار كبار أدباء السودان، وتغوص في عمق "الراستات"، وتعف عن السقوط في وحل البذاءة. ثورة تخرج أجمل ما فينا جميعا
( ) ثورة لم يرد في محاضرها أبدا تحرش شاب واحد بفتاة. ولا ردت على عسف وعنف أجهزة الأمن سوى بالسلمية. ثورة هتفت فيها بورتسودان وودنوباوي وعطبرة ومدني لدارفور، ورفعت فيها دارفور عطبرة لعنان السماء، وجبرت خشم القربة وكوستي ودنقلا خاطر جنوب كردفان، وضمدت فيها بارا جراح الدمازين.
( ) وأطفالنا يهتفون بشعاراتها
( ) والأمهات الحنونات يعددن للثوار أحلى الشطائر والعصائر
( ) وهي تجمع الكل تحت راياتها: يهب الوطن كله لمقتل (معلم) تحت التعذيب. (أحمد الخير عوض الكريم) يضحي دمعة على خد أمي، ونارا تنطلق من خشم القربة إلى كرمة ونيالا وأربجي وبري. (أحمد الخير) بدمه يجبر النظام على أكبر تنازل في تاريخه. كأنما دمه غرس بذرة جديدة للوطن. ويضحي هذا (المعلم) مسيحا للثورة، يصبح (سقراط) فلسفتها، متواضعا، بسيطا، جميلا أمام (دروس) الشعب العظيم.
( ) وكل صباح جديد، الثورة تنتصر، والنظام يتراجع. فالثورة دخلت بيوت قادته، وهزت أركانه، وكل الرهانات بأنها (موجة) وستنحسر، أطاح بها (مهاب) و(أحمد الخير) و(محجوب) و(أماني) و(سامح) و(عبدالعظيم) و(بابكر).
( ) والطغاة يتراجعون عن رواياتهم (المسمومة) تحت ضغط الشارع. و(الاستفزاز) في خطاباتهم يتراجع إلى أدنى منسوب منذ ٣٠ سنة، ويحل مكانه الرجاء ومحاولات الترضية. والثوار لا يقبلون سوى ب: #تسقط_بس
( ) والثورة تطلق أسماء الشهداء على الشوارع والميادين
( ) وتتمدد
( ) ووالد شهيد عظيم يكتب أن جيلا بكامله أصبح بديلا لابنه
( ) والثورة تفرز (روحها) في كل مكان حتى في حفلات الأعراس. ويضحي تشييع الشهداء أعراسا وطنية
( ) و... سقطت حتى ( ورقة التوت) عن النظام !
( ) وضباط من الجيش عبروا عن سخطهم وضعوا في الحجز
( ) وكبير ( البصاصين) صمت، بل واضطر لتقديم (ضباطه) و(جنوده) كباش فداء، وأضحى حديثه عن (القمر الصناعي) محل سخرية لا سابق لها. ورئيسه أضحى محل ضحك بخطاباته المثيرة للرثاء، بل ومن يعرفون (لغة الجسد) يدركون أنه هو ذاته بات متيقنا أن عهده ولى إلى غير رجعة.
( ) والشقة واسعة بين طريقتين في التفكير: بين من يعرف ما آل إليه عالم اليوم، والتكنلوجيا ووسائل التواصل، وبين من يعيش في غياهب التاريخ، ويظن أن خطابا بائسا عن افتتاح شارع جديد أو مضخة مياه لا يمكن أن يرضي أحدا
( ) الشقة واسعة بين من يفكر بتفكير القرن ٢١ وبين من يفكر بأسلوب ما قبل التاريخ
( ) وهذا الأخير يظن أن إرضاء الشباب يكمن في إعادة الحياة لشارع النيل وغض الطرف عن قانون النظام العام
( ) ولا يدري بأن (هؤلاء) أحلامهم تخطت الشوارع و(تسول) الإعانات إلى بناء وطن يليق بنا. هؤلاء ينتظرون السقوط ليبنوا مشروعات عملاقة تتعدى بكثير هذا البؤس
( ) ما عاد في الوسع أن يقدم هذا النظام شيئا، أما الثورة، فبوسعها أن تقدم كل شىء وأن تبني الوطن على نحو مغاير تماماً
( ) هي مواقيت الثورة