menu

المظاهرات السلمية ونفاق الوهابية

د. صلاح الدين البدوي الشيخ الخنجر


3 يناير 2019


المجمع الصوفي العام - جمعية الإمام الأشعري العلمية

الحمدلله القائل: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي شهد حلف الفضول قبل الرسالة وقال: ( لقد شهدت حلفا في بيت عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى إليه في الإسلام لأجبت ) .
وبعد ...
فإن حركة الإنسان مرتبطة بأمرين لا ثالث لهما كما يقول أهل التصوف: (ينبغي للإنسان أن لا يرى إلا محصلا حسنة لمعاده أودرهما لمعاشه ) وذلك لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه وإلاقطعك ، والنفس إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل .
وإن حركة العبد وسكونه يدخلان في المسؤولية الفردية أمام الله سبحانه وتعالى ، كما أنه مسؤول عن الذرة ومادونها ، ناهيك عن إراقة الدماء والسعي إلى الفوضى والعبث والاعتداء ، نعم أصبحت الرؤية غائبة عندما صمت الحكماء والعقلاء ، وأرى أن الأمر وسد إلى غير أهله ، وفي كل الحالات لابد من النصرة كما قال الصديق رضي الله عنه: إنكم تقرأون هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) وتضعونها في غير موضعها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا رأيتم الظالم ولم تأخذوا على يديه يوشك أن يعمكم الله بعذاب من عنده ) ،
والظلم واقع من الجانبين ؛ من ولاة الأمر ومن بعض المتظاهرين كذلك ، والكل ينادي اركب معنا ولا تكن في صف الآخرين .
دعونا هنا نشير إلى سلمية المظاهرات التي كفلها القانون والدستور والكل يدعو بذلك حكاما ومحكومين ، ومن حق المواطن أن يعبر عن رأيه بالطرق المتعارف عليها سواء كان بتسليم مذكرات أو مظاهرات أو كتابة صحفية أو منشورات سياسية شريطة أن لا يتجاوز الحدود ، وفي المقابل على ولي الأمر وجهات الاختصاص أن تتسع صدورهم للنقد البناء الهادف مع حسن الإصغاء والاستماع للرأي الآخر ،
ولكن للأسف نحن في ظل حكومات تهتم بالهرج والمرج وحملة السلاح والمفسدين في أرض الله ، ولكنها لا تلقي بالا للمواطن البسيط ولا للمصلحين والنازحين والحكماء ، ومجتمعنا بحمد الله غني بالحكماء ممن يقدمون روشتة بالمجان فيها التشخيص والحلول لكل الأزمات ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، وإذا غاب المنطق رفعت العصا .
نحن متفقون على التظاهر السلمي الذي لا ضرر فيه ولا ضرار وهذا رأي كل عاقل ومواطن صالح وصاحب ضمير ، ولكن من وقت لآخر يخرج علينا دعاة الوهابية المرتزقة المأجورون بالفتاوى الغريبة في مسألة التظاهر والخروج ، فقط سرد للنصوص من غير إدراك للمضمون والمحتوى ،
وهؤلاء صنعتهم الإنقاذ وجعلت من فسيخهم شربات ، ومنهم من خرج عليها ودعا الناس للتظاهر إستعطافا للمواطنين إلا أن الوهابية أنكروهم وقالوا هم من السرورية !
والحال ينطبق كذلك على قلة من المتصوفة الذين فارقوا الدرب ووجدوا كامل الدعم من النظام ولكنهم اختفوا عندالحارة ، لذا على الإنقاذيين أن يعيدوا هذه القراءة الخاطئة على شاكلة معنا وضدنا
، والإنقاذ عند الشدائد والمحن وجدت هذا الشعب الصابر المحتسب واقفا معها ليس حبا فيها وإنما وعي لأجل خاطر الوطن العريض الذي لا يقبل المساس والمزايدة وتصفية الحسابات ، وطالما أن مجمع الفقه وهيئة علماء السودان والمجمع الصوفي العام يرون أن التظاهر السلمي لا علاقة له بالخروج على الحاكم ، فإن فتاوى الوهابية لا تفسر إلا بالنفاق والمداهنة ، وهذا هو حال الوهابي دوما سيظل ينافق ويداهن حتى يعلم النفاق بأنه منافق وقد رأينا نفاقهم ومداهنتهم عيانا بيانا في التحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي حدثت في السعودية ، وفي النهاية هذه الاحتجاجات الشعبية هي مسألة تقتضيها الضرورة والمصلحة وليس المزاج والهوى.
نرفض الضغط والأعباء في أمر المعيشة ولا نرضى الفوضى والتخريب وهو أمر مسلم به لدى كل مواطن صالح شريف .
وهذه رسائلنا :-
أولا:
طالما أننا متفقون على التظاهر السلمي يظل التخريب والاعتداء أمر مرفوض من الجميع ، ولكن أسوأ منه إراقة الدماء ، لأن المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما
، والأرقام التي طالعنا بها وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة لا يقبلها العقل السليم والنفس البشرية السوية ، 19 قتيلا وقرابة 500 جريح ومصاب هي حصيلة النفس الظالمة الجامحة ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ،
والكل يحدثك عن التظاهر السلمي الذي كفله القانون ، وسؤالنا هنا لجهات الاختصاص ؛ هل بالإمكان تصديق تظاهر سلمي للتعبير عن الرأي وتمليك الحقائق أم أنها لغة الوقت فقط عند الأزمات والشدائد ؟
ومن قبل منعت السلطات الصوفية من إقامة ندوة بقاعة الصداقة مصدقة من السلطات الأمنية وقبلها منعت ندوة بساحة مسجد الشيخ البشير بشمبات وأخرى بقاعة الزبير تدور مواضيعها كلها في إطار قضايا تخص المنهج الصوفي الروي بينما فتحت قاعة الصداقة لداعية الفتنة والتكفير مزمل فقيري ووفرت له التساهيل الكاملة لقيام ندوته .
ثانيا: دعاة الوهابية أقاموا منهجهم على النفاق ، وكلما طلعت الشمس ازدادوا نفاقا ،
يصرحون بأن مجرد التفكير في الخروج يحتاج إلى توبة !
والضربة القاضية تأتيهم من واجهات الفتيا الرسمية بأن التعبير السلمي لا يعتبر خروجا على الحاكم ، والوهابي كالمُنْبَتِّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ( مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا )
وكل من يريد معرفة الوهابية على الحقيقة عليه أن يستعرض سورة المنافقون تجدهم حسا ومعنى ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ )
ثالثا: الشعب السوداني الأصيل لم يرض الظلم الواقع عليه ولم ينجر وراء هتافات بعض المتظاهرين لاسيما من ليس لهم وجهة ولا دليل فهو شعب واعٍ ويعرف قضيته ، والصمت لا يعني الرضا ولا تحملونا من الأمر ما لا نطيقروجنبونا الحديث عن الأكل والشرب ، وهذه المذكورات لا تقبل السمسرة والاحتكار والمزايدة مثل:
قفة الملاح والوقود والدواء والمواصلات ،
وإلى متي نتأخر عن ركب الدول التي احترمت شعوبها من غير تصنيف ولا إقصاء ، وإن كان لدينا حكومة حقا عليها أن تحترم هذا الشعب الأصيل الذي صبر بما فيه الكفاية ، لا نريد رفاهية مثل التي تعيشون فيها أنتم أيها الإسلاميون طالما أنكم عاجزون ، ولكن نطالب بأدنى مقومات الحياة ، ولا يوجد دين من غير عجين كما قال الحكيم أبونا العندو المونة ود بدر ،
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ( لو افتقدت في بيتي بصلة ما حفظت لكم مسألة ) وينسب القول كذلك للإمام أحمد رضي الله عنه ، فحتى الأئمة يحدثوننا عن البصل والدقيق لئلا تحدثوننا عن الجوع وربط البطون وأكل صفق الشجر معاشر الإنقاذيين .
ختاما: لا نغفل ولا نتجاهل دعوات الصادقين والمخلصين للأوطان وفي المقدمة بلادنا السودان ، نعم التدابير البشرية مطلوبة وهي الأصل ،ولكن لابد من رفع الأيادي لمدبر الأمر ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) .