مواطنين من أرياف كسلا الحبيبة على ظهور الشاحنات في طريقهم إلى الخرطوم حتى يخادع المشير بصورهم العالم بأن(شعبي يحبني ولا يطيق الحياة بدوني) .. كانت تلك هي الصورة التي آلمتني كثيرا وجعلتني اسارع باستقصاء ملابسات الخبر.. فاذا بمن يحدثني، وهو من الثقاة، ان ناظر الهدندوة قد تسلم أموالا طائلة من المؤتمر الوطني لحشد هؤلاء البسطاء الذين لا يعرف أغلبهم أسماء من يحكمونهم من الخرطوم.. ليس هذا فحسب، بل إنه قد قبض الثمن لمقاولة اخرى تحدث غدا حيث انه أغراهم بحفل يحييه الفنان محمد البدري بمدرسة تاجوج في بكسلا و اتفق سرا مع الوالى ليخطب في الجمع ويلتقط صورا يتم تسويقها على أنها حشد لمناصرة عصابة المؤتمر الوطني!!!
(٢)
كان رد فعلي التلقائي وصف من يحشدونهم للراقص المنكوب في عزلته المجيدة بتعبير مقذع الا انني ارجعت البصر كرتين لاحقا فوجدتني قد ابعدت النجعة في نعتهم بما يجردهم من انسانيتهم ...
وجدت ضالتي في اصطلاح بديل هو (البروليتاريا الرثة) الذي يطلق في الأدب السياسي علي المعدمين من قاع المجتمع (لصوص.. قوادين.. مدمنين..افاقين الخ).. تتميز هذه الشريحة بمحدودية الوعي الاجتماعي أو قل بوعي زائف يقصر بها عن توظيف سخطها وتمردها في فعل إيجابي، جماعي ومنظم، لتغيير واقعها ومصائرها.. استدعيت في هذا السياق حكاية الراعي الذي وشى بمكان ايقونة الثورة ضد الامبريالية الطبيب الارجنتيني ارنستو شي جيفارا.. كان جيفارا يقود حرب العصابات في احراش بوليفيا حين وشى به ذلك الراعي للسي اي ايه في ١٩٦٧ لان (ضوضاء الثوار) تقلق اغنامه!!!!!
المفارقة هنا ان جيفارا كان يقاتل نظام الرئيس البوليفي باربيينتوس وحلفائه الامريكان بالضبط من أجل ذلك الراعي و غيره من المسحوقين الا ان وعي ذلك الراعي المغيب ما كان ليمكنه من فهم كنه المعركة وادراك المسافة التي تفصله من طرفيها .. لذا فقد كان اختياره (الحصيف) هو (مزاج) اغنامه الذي عكرت صفوه جلبة الثوريين (المطاليق) ..
(٣)
اهلنا في الريف الكسلاوي لا ينطبق عليهم تماما اصطلاح البروليتاريا الرثة، فهم بسطاء طيبون مسالمون و غير ساخطين.. الا ان نظام الفساد و الاستبداد يتفوق على نفسه إبداعا في التدليس والكذب والتزوير..دفع المليارات واشترى البسطاء، و قبلهم متعهدي الحشود، باموالنا ليصطنع بهم سندا شعبيا موهوما يخادع به نفسع والآخرين وهو في نزعه الاخير .. أما الدهماء الذين قبضوا الدراهم فحالهم كالراعي اعلاه، لا يعون ان عصابة المؤتمر الوطني هي اس بلائهم من عوز وجوع وامراض متوطنة..
حقا يا اهلي في ريف كسلا: أن الظلم لا يصنع ثورة... ما يصنع الثورة هو الوعي بالظلم..
تسقط بس..
خالد الطاهر
باحث في الشئون الاستراتيجية و العلاقات الدولية بأكاديمية الدفاع الهولندية