عبر تاريخها السياسي لم تقف شريحة مهنية في وجه الإنقاذ كما وقف الأطباء ، إذ ظل سلاح الإضراب من أعتى الأسلحة التي واجهت الإنقاذ طيلة تاريخها ، و لأن اضراب الأطباء الحالي موجع و مؤلم لنظام البشير ، يشن الصحفي ضياء الدين بلال حملة على الأطباء هذه الأيام، و قد سبقه من قبل الصويحف الهندي عزالدين فنال ما يستحق .
و من عجب أن من يهاجم الأطباء من الصحفيين هما ضياءالدين بلال و الهندي عزالدين !! و كليهما صحافيين متسلقيين ما كان لهما ان يصلا مرحلة ادارة صحيفة لولا سيادة حكم البشير حيث يسند الأمر لمن لا يستحق و توكل المهام للانتهازيين .
و لان الأطباء الان يقودون عبر تجمع المهنيين ثورة لاقتلاع ولي نعمة الهندي و ضياء الدين فليس بمستغرب ان يشنوا حملتهم المسعورة ضد الأطباء مستهدفين سلاح الأطباء الفتاك للانظمة المستبدة و هو الإضراب .
الأطباء ليسوا سياسيين كحزب الجبهة الإسلامية لكي ينفذوا انقلاب عسكري على السلطة لتطبيق برنامجهم ، و هم ليسوا حركات مسلحة حتى يحملوا السلاح ضد النظام من أجل تنفيذ مطالبهم ، كما أنهم ليس ببسطاء او سذج ليصفقوا للدكتاتور و هو يرقص فوق جماجم مرضاهم ، كما أنهم ليسوا صحفيين من صنف بائعي شرف الكلمة يكتبون بأمر جهاز الأمن و يذعنون لتوجيهاته ، و هم ليسوا مقدمي برامج تلفزيونية مصنوعين و مجبورين على التسبيح بحمد الطاغية .
الأطباء هم الأطباء، أرفع الدرجات العلمية و ارفع العقول الأكاديمية، لا يقودهم فاقد تربوي و لا يرهبهم جلاد، لا تسمح لهم عقولهم الواعية بالانخداع بالمظاهر الكاذبة لسلطة تدعي تطبيق الدين و هي ابعد ما تكون عنه ، كما لا تستسيغ فطرتهم السليمة ان يكونوا نعاجا في قطيع الظلمة او جنودا في جيش القتلة او اقلاما ماجورة لا تكتب الا ما يريده الحجاج .
لانهم الشريحة المستنيرة و الواعية ، اتفقوا على نبذ الظلم و اتحدوا على محاربة الموت المجاني اليومي في المستشفيات التي تفتقد بأمر الجلاد لابسط مقومات انقاذ الحياة ، تعاهدوا معا على رفض البيئة الطبية السيئة التي تسبب الموت و العجز للمرضى أكثر مما يسببه المرض نفسه .
لم يخضع الأطباء يا ضياء الدين لتهديد وزير صحة او وعيد رئيس اتحاد اطباء كما تذعن انت لرئيس اتحاد صحفييك و وزير إعلامك و كلاهما كما تعلم علم اليقين يزوران الحقائق و يكممان افواه الصحافة و حرية التعبير و انت لا تنطق ، و لكن الأطباء ينطقون ، إذ لم يولد بعد من يكمم افواه الأطباء ، نطقوا عبر كل سنوات الإنقاذ ضد سوء الحال الصحي و ضعف ميزانية الصحة التي لا تفي ب 1% من احتياجات المرضى و المستشفيات و العاملين الصحيين ، و صعدوا رفضهم المستمر لسوء الحال و كارثية الواقع الصحي عبر خطابات و بيانات و اضرابات و استقالات و هجرة ، و احتملوا في ذلك كل اصناف الأذى من اعتقال و تعذيب و قتل و ضرب مبرح في الطرقات او في سوح المستشفيات او في داخل ميزات الأطباء ، و ظلوا متحدين في ذلك أطباء و طبيبات ، يقاسون الم المريض و الامهم الخاصة .
طيلة مسيرة نضالهم لم يبخل الأطباء على المستشفيات و المرضى في ظل عدم كفاية ما توفره الدولة من كادر طبي و أدوية و عمليات مجهزة و مختبرات و أشعة و عربات إسعاف ، رغم النقص الناتج عن تقصير الدولة التي تشتري في اليخوت و تبني في المستشفيات في غزة و في جيبوتي و تترك المواطنين تحت رحمة الباعوض و الصرف الصحي الطافح ، رغم كل هذا النقص ظل الأطباء يكافحون لإكمال النقص ، فيعمل بعضهم ليومين متواصلين بلا نوم متناولا وجبة او وجبتين ، و يدفع بعضهم من جيبه الخاص لإكمال علاج مريض فقير لم ترعاه الدولة ، و يقتسم بعضهم وجبته مع مريض لا يملك حق الوجبة في دولة تدعي انها دولة الإسلام الرسالية .
حاول الأطباء جاهدين ان يكملوا النقص الشديد في البيئة الصحية الذي يتسبب يوميا في زيادة المرض و الوفيات ، و لكنهم كانوا لا يملكون سوى راتب لا يكفي الفرد منهم لأسبوع، صرخوا في المسؤلين ، طالبوا ، شرحوا ، و كتبوا فلم يستمع لهم احد ، إذ كيف يستمع وزير صحة لمطالب طبيب في مستشفى ريفي و رئيسه البشير يقول على الملأ ( السلطة دي نحن جبناها بالسلاح العايزها يجي يشيلها بالسلاح ) ، كيف يستمع مدير مستشفى للأطباء و وزيره مأمون حميدة يقول : ( الطبيب العام بيعمل لي حساسية ) !! كيف يستجاب لطلبات الأطباء من دولة يقول وزير ماليتها: ( نحن نصدر الذهب و النبق و الدكاترة ) ، هذه منظومة بالكامل لا تجيد الاستماع بالتي هي احسن و لا تعرف الا لغة ( لحس الكوع ) فكيف يتم التعامل معها ، إلا بالإضراب !!
اضرب الأطباء لأنهم وصلوا إلى طريق مسدود ، و علموا من خلال المعايشة و التجربة ان السكوت على هذا الوضع هو الذي يقتل المرضى لا الإضراب .
اضرب الأطباء لأنهم لم يعودوا يحتملون منظر الفقراء الذين لا يملكون حق العلاج و هم في حوجة ماسة له و لا توفره الدولة رغم أن ذلك وظيفتها . دولة لا توفر العلاج المجاني لفقراءها لماذا يخدمها الأطباء !!!
اضرب الأطباء لأنهم لا يملكون أدوية و لا اجهزة منقذة للحياة ، فحين تأتيهم حالة طارئة لا يملكون سوى الفرجة مثلهم مثل المرافقين ، دولة لا توفر الادوية و الاجهزة المنقذة للحياة كيف سينقذ الاطباء مرضاهم في مستشفياتها !! و ماذا يفعل الطبيب اذا لم ينقذ حياة شارفت على الموت !!
اضرب الأطباء و هم ادرى من صحفي جهاز الأمن بما سيترتب على إضرابهم، هم يعلمون أن ضرر العمل في مستشفيات فاقدة لأبسط مقومات العلاج في ظل نظام لا يهتم بصحة الناس هو بكل المقاييس ضرر عظيم بالشعب و بالمهنة ، إذاء ذلك قاسوا الاضرار و علموا كاطباء ان الاضراب اخف الضررين على شعب السودان .
شعب السودان يعلم أن اطباء السودان أكثر عطفا عليه من هذا النظام ، و أكثر رحمة و شفقة به من الصحفيين المرتزقة ، لذلك سيواصل دعمهم حتى بلوغ احدي الحسنيين : اما نصرا بانتزاع الحقوق الصحية الكاملة عنوة من هذا النظام، و اما نصرا باقتلاع هذا النظام و القذف به إلى مذبلة التاريخ .