الصورة التي ظلت مرسومة للنائب الأول لرئيس الجمهورية السابق على عثمان محمد طه على المستوى الشعبي ظلت تتعاطي معه بوصفه سياسياً محنكاً وقانونياً متميزاً، وأفضل المخططين وأبلغ المتحدثين، إكتسب تجارب متراكمة ورثها من خبراته التنظيمية والسياسية منذ سنواته الدراسية التي ترأس فيها الإتحادات الطلابية في مدرسة الخرطوم القديمة الثانوية وجامعة الخرطوم، وأخرى نيابية منذ أيام مجلس الشعب ثم رغامة المعارضة في الجمعية التأسيسية بعد الإنتفاضة، وحتى التنفيذية بشغله لوزارتي التخطيط الإجتماعي والخارجية ثم النائب الأول لرئيس الجمهورية، وفوق ذلك تتلمذه على يد الراحل دكتور حسن الترابي.
على النقيض من تلك الصورة (الزاهية) المصطنعة التي أستخدم فيها مساحيق تجميل لإخفاء صورة الرجل الحقيقية، فإن تفجر الصراع داخل معسكر الإسلاميين في مواجهة الراحل الترابي دفعت (الشيخ) لسكب قليل من الماء في وجه من إعتبره (التلميذ الخائن العاق) بغية تشكيل رأي عام سلبي حوله عبر كشف جانب من صورته المخفية ، حيث أشار إلي أنه –اي على عثمان- المحرك الأساسي للصراع وسط الإسلاميين لكنه على درجة عالية من الجن والخبث بتخفيه خلف آخرين جعلهم وقوداً لمعركته. ولقد صدق الترابي في ذاك الوصف فهو لم يتحل بالشجاعة ليوقع على مذكرة العشرة رغم التأثير الكبير لخطوته تلك ليس بوصفه النائب الأول لرئيس الجهورية وإنما لكونه نائب الترابي في التنظيم ، كما لم يجوس أيام الصراع وإحتدامه مدافعاً ومنافحاً عن قناعاته وإنما ظل صامتاً، فما واجه كالعتباني أو مجذوب الخليفة أو صادم حتى كالبشير، بل تهرب وفر حتى من لقاء (شيحه) في الأماكن العامة مما دفع الترابي للقول بأنه ما دلف لمكان تواجد فيه الرئيس أو نائبه الأول إلا وألتقاه الأول وصافحه وسلم عليه أما الثاني فيسارع بمغادرة المكان من باب ثاني بمجرد دخوله !!
أذكر في مقابلة أجريتها مع أستاذنا خالد عبد العزيز نائب رئيس تحرير صحيفة (السوداني) مع الراحل الترابي في أبريل 2009م حول الأيام الأخيرة لحكم الراحل جعفر نميري –نُشر هذا اللقاء بصحيفة (السوداني) بعد وفاة الترابي نظراً لمنع نشره من قبل الرقابة الأمنية المفروضة على الصحف حينها- ضمن تعليقه وإجابته على سؤال حول عدم إعتقال على عثمان في مارس 1985م بواسطة النميري بقوله:"بعض الناس يؤثرون ان لا يدخلوا السجن، لم يدخل معنا كما لم يدخل في الانقاذ رغم انه زعيم للمعارضة فاذا دخل رئيس الوزراء يدخل زعيم المعارضة معه فهو انقلاب علي كل النظام لا علي الحكومة وحده".
في سنوات تلت المفاصلة فإن وقائع إرتبطت بالعديد من الأحداث التي دارت في الأيام الأولي لإنقلاب الإنقاذ حملها الترابي للمجموعة المدنية التي تولت إدارة البلاد من وراء ستار بقيادة على عثمان أثناء وجوده في السجن (حبيساً) والذي طال أمده خلافاً الإتفاق السابق بالأفراج عن القادة السياسيين بعد فترة قصيرة من إستلام السلطة، وهو ما عزاه الترابي لرغبة تلك المجموعة المدنية في ترتيب الأوضاع بما يضمن سيطرتهم الكاملة على مقاليد الأمور. وتبقي أبرز تلك الوقائع هي المرتبطة بإعدامات الموقوفين في قضايا حيازة النقد الأجني وإصدار قرار إعدام مجدي وجرجس بجانب الضباط الـ28 الذين نفذوا حركة رمضان في أبريل 1990م.
عقب محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك بالعاصمة الأثيوبة أديس أبابا خلال مشاركته في أعمال قمة منظمة الوحدة الإفريقية في 26 يونيو 1995م سارعت القاهرة لإتهام الخرطوم بالتورط في هذا الأمر، وظل السودان ينفي مراراً وتكراراً صلته بالحادثة. نتيجة لذلك أصدر مجلس الأمن الدولي قراراه بالرقم (1044) في 31 يناير 1996م بناءعلى الشكوى التي تقدمت بها أثيوبيا وطالب القرار السودان بتسليم ثلاثة من المشبته بمهم المتورطين في تنفيذ العملية الذين هربوا إلي أراضيه والكف عن تقديم العون والرعاية للمجموعات ذات الأنشطة الإرهابية.
في 26 أبريل 1996م صدر القرار (1054) نسبة لعدم إستجابة السودان للمطالب الواردة في القرار (1044) والذي ألزم الدول بالتخفيض الكبير في عدد ومستوي الموظفيين الموجودين بالبعثات الدبلوماسية السودانية وتقييد ومراقبة حركة بقية الموظفين الموجودين وإتخاذ خطوات لتقييد إجراءات دخول أعضاء حكومة السودانية وموظفيها وأفراد القوات المسلحة إلي أراضيها أو عبورهم لها، بجانب عدم إقامة إي مؤتمرات للمنظمات الإقليمية أو الدولية في السودان.
وبعد حوالي أربعة أشهر صدر القرار (170) في 16 أغسطس 1996م التي أضافت عقوبات بحرمان كل الطائرات المسجلة بالسودان أو التي تمتلكها أو تشارك فيها أو تأجرها الخطوط الجوية السودانية (سودانير) من الهبوط أو التحليق أو عبور أجواء أي من الدول وشمل ذلك أي جهة أو هيئة تمتلكها حكومة السودان أو أي من هيئاتها أو تشارك فيها إينما وجد مكانها. وإستمر العمل بهذه العقوبات لحين رفعها بموجب القرار (1373) الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في جلسته المنعقدة بتاريخ 28 سبتمبر 2001م.
بعد المفاصلة أميط اللثام عن تفاصيل هذه الجريمة التي إتضح أن مخططها الرئيسي كان هو على عثمان ومن وراء ظهر قيادة البلاد السياسية ممثلة في الرئيس البشير ونائبه الأول وقتها المرحوم الزبير محمد صالح، بل وحتى قيادة تنظيم الإسلاميين الشيخ الترابي ونائبه على الحاج، وتكشف مستقبلاً أن المخابرات المصرية إخترقت العملية التي دبرها الرجل ، وكانت على علم كامل بكل تفاصيلها بل وإستدرجت المنفذين وأفشلت العملية التي إستخدمتها كدليل إدانة ملموس في مواجهة السودان وتأكيد رعايته للإرهاب. لقد دفعت البلاد بسبب هذه الجريمة المشينة غير المسبوقة في تاريخ السودان طوال تاريخه ثمناً باهظاً معنوي ومادي بإصدار ثلاثة قرارات من مجلس الأمن الدولي من بينها قرارين ترتبت عليهم عقوبات على البلاد إستمرت حتي العام 2001م، أما دبلومسياً فإن السودان فقد علاقته مع أثيوبيا التي كانت تعد أبرز حلفاء السودان بالمنطقة، وإنتقلت بشكل مباشر لمعاداته وإحتضان حتى المعارضة المسلحة ولم تستعاد العلاقة معها إلا نتيجة تحولات في المنطقة بإندلاع الحرب الأثيوبية الأرترية وليس لأي سبب أخر.
المدهش أن ذات الرجل الذي خطط لهذه الجريمة وأورد البلاد بسببها موارد التهلكة عوضاً عن محاكمته أو جتى إبعاده من المسرح فقد تمت ترقيته بعدها ليتقلد موقع النائب الأول لرئيس الجمهورية منذ العام 1997م وحتي 2005م ثم نائباً للرئيس حتي 2011م ليعود مرة أخرى نائباً أولاً للرئيس حتي ديسمبر 2013م، أما الأكثر إدهاشاً فإن ذات الرجل لم يجد حرجاً في طلب مقابلة الرئيس مبارك بللقاهرة التي وصلها عقب ختام جولة أوربية قام بها خلال أثناء مباحثات السلام التي كان يقود فيها الوفد الحكومي، إلا أن الثاني رفض مقابلة الضيف الذي حاول قبل عقد من الزمان إغتياله وتصفيته دونما أن يفكر في الإعتذار عن فعلته الشنيعة تلك، مع ملاحظة أن مبارك إلتقي مراراً وتكراراً قبل هذا الطلب وبعده بوزير الخارجية السوداني والذي هو في درجة بالبروتوكول أقل من النائب الأول لرئيس الجمهورية وهو رفض حوى مغزي واضح ومباشر بأنه لن ينسي تلك المحاولة الفاشلة ابداً، وإستمر موقف مبارك ذلك حتى حمله لقب الرئيس السابق في فبراير 2011م.
رفض رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان د.جون قرنق في ديسمبر 2002م لقاء على عثمان رغم تواجدهما الإثنين معاً بالعاصمة النيجيرية أبوجا إستجابة لدعوة الرئيس النيجيري اولوسيغون اوباسانجو، واثار هذا الرفض الحيرة وحتى البيان الحكومي الصادر بعد تأجيله لم يجد تفسيراً لموقف قرنق ذلك سيما أن الأجواء السياسية وقتها بين الحكومة والحركة الشعبية تجاوزت توتر الأزمة التي تفجرت عقب الهجوم على توريت بعد التوصل لإتفاق وقف عدائيات بين الطرفين في أكتوبر 2002م، بل وسبق لقرنق الإلتقاء في شهر يوليو من ذات العام الرئيس البشير. وهذا الرفض كان غير مفهوم وبلا حيثيات واضحة.
السبب الحقيقي لرفض قرنق لقاء على عثمان يومها ناتج عن تورط الثاني في محاولة إغتيال للأول لم يتم الإعلان عنها، ومن الواضح قرنق لم يمانع في الإلتفاء بالبشير رغم سنوات الحرب الطويلة مع الحكومة السودانية التي شارك فيها البشير كضابط في الجيش السوداني لأن ذلك صراع محكوم بالقتال في ميدان المعركة، أما الجنوح للقتل خارج ميدانها بالغدر والخيانة فهي مسألة تفتقر للأخلاق ويجعل المرء يحتاط لنفسه ممن يحملون مثل هذه التوجهات إذا ما قدر لهم الإلتقاء بهم في أي زمان ومكان، ومن الواضح أن قرنق تجنب الإلتقاء معه بأبوجا رغم إجتماعه المسبق مع الرئيس البشير والذي يعد ذو دلالة ومغزي سياسي أكبر من لقاء النائب الأول لرئيس الجمهورية.
لا أستطيع أن أجزم إذا ما كان على عثمان وبعد فرض الضغوط الأمريكية والأوربية والإقليمية عليه أن يلتقي وجهاً لوجه مع قرنق خلال المفاوضات التي دارت بنيفاشا منذ أغسطس 2002م وحتي يناير 2005م قد وجد السانحة للإعتذار لشريك رحلته في تلك المفاوضات الطويلة عن فعلته الشنيعة تلك أم إكتفي بالصمت وتجاهل الأمر حتى رحل قرنق في حادث تحطم مروحيته في يوليو 2005م دونما أن يعتذر عن جرمه ذاك.
لم يخلو قاموس الرجل من عبارات التهديد والوعيد خلال فترة شغله لموقعه التنفيذي كنائب أول أو نائب لرئيس الجمهورية على شاكلة (البتر بالسيف لكل من يتعرض للرئيس) رغم أن ما كان يحتاجه البشير وقتها أن يخرج على عثمان ورهطه ليقولوا للعالم أنهم ظلوا (كتنظيم) هم من يأمروا المنفذين وطبقاً للذك فإنهم من باب المسؤولية يتحملون وبتقاسمون معه الإتهامات وبعدها يعرجوا لعد إعترافهم بولاية وإختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لكنهم لم يفعلوا ذلك وأكتفوا بمساندته بأ(أقوالهم) وضنوا عليه بـ(أفعالهم) ثم لم يجد بعضهم حرجاً في أن يقدموا أنفسهم كوصفة لحل الأزمة ومخرج منها !!
سيبقي حديثه الأكثر وضوحاً هو الذي ردده على عثمان أمام البرلمان عند صدور إغلاق الحدود مع دولة جنوب السودان بعد إنتهاء حرب هجليج بين البلدين في ما يشبه الحصار الإقتصادي، ويومها توعد الرجل كل من يخترق حدود البلدين ويعمل في مجال التهريب بقوله أن توجيهات القوات واضحة لكل من يخالف هذا الإجراء ليس بإقامة محاكم فورية أو المصادرة يومها قال الرجل القانوني أن التوجيهات هي (Shout to kill) !! هكذا عطل بموجبه أي إجراء قانوني وجعل من القتل أمر مشروع ومباح !! وهي عبارات بغض النظر عن السياق السياسي الذي وردت فيه ولكنها عززت صورته كشخص (يستستهل القتل)، وهو ما إتسق مع ما سبق أن ذكره الترابي لإقتراح قدمه على عثمان للمشاركين في الإجتماع الذي دعا له عقب فشل محاولته لإغتيال مبارك بقوله للحاضرين أنه يقترح قتل كل المشاركين في تنفيذ العملية لإخفاء أثارها بما في ذلك مصطفي حمزة –الذي تسلمته المخابرات المصرية في العام 2004م وكان بمثابة شاهد العيان على كل ما تم رغم معرفة المخابرات المصرية سلفاً بالعملية وقيامها بإجهاضها- !! إلا أن الترابي إستهجن هذه الفكرة وإعتبرها فكرة خرقاء دينياً وسياسياً لأن قتلهم لا يجوز دينياً كما لن ينفي التهمة عن السودان ووجه بنقل المتهمين لدولة أخرى على أن يقوموا بعدها بعقد مؤتمر صحفي يعلون فيه عدم وجودهم في الأراضي السودانية.
خلال السنوات التي تقلد فيها على عثمان المواقع التنفيذية في البلاد خاصة موقعي النائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية ثم لاحقاً النائب الأول لرئيس الجمهورية، فإن بعض الإعلاميين سعوا لإظهاره كتنفيذي بارع يجيد التخطيط والمتابعة وتحقيق الأهداف ودشنوا حملة ترويجية للرجل وتباروا في ذلك بعضهم على صفحات الصحف وآخرين عبر الشاشات وإستمر بعضهم في هذا الدور حتى بعد مغادرة الرجل لموقعه التنفيذي، لكنهم ظلوا عاجزين عن إبراز (خوارق) الرجل الي كانت (خوازيقه) ماثلة وحاضرة وماثلة كالتداعيات التي ترتبت عن محاولته إغتيال مبارك التي أشرنا لتفاصيلها بجانب نماذج أخرى لا نرغب في الخوض فيها.
أما كسبه في ما يتصل بالإنجازات فلم يسعف الرجل المطبلين الساعين لإظهار عبقريته في إتفاق السلام الشامل المعروف بـ(إتفاقية نيفاشا) حينما فشل في تحويلها لعمل يُخلد به في التاريخ فلا هي حققت الوحدة الجاذبة أو أفضت لسلام دائم مستدام بين الدولتين، وحتى المعالجات التي إقترحها هو شخصياً حيال العديد من القضايا العالقة والخلافية –كقانون إستفتاء جنوب السودان وصفقة إنتخابات 2010م- االتي ثبت بأنها معالجات مرحلية بلا رؤى مستقبلية قادت لكوارث سياسية وإقتصادية وأمنية ذات أثر وخيمة لاحقاً، لم يقتصر سداد فاتورة إخفاقها على دولتي السودان منفردتين أو حتى مجتمعتين وإنما تجاوزهما ليمتد أثاره لجيرانهم الإقليميين.
بعد سنوات من الصمت والنسيان عاد الرجل للظهور مجدداً عقب تظاهرات سبتمبر 2018 الممتدة حتى يناير 2019م بعدما إقتصار دوره منذ مفارقته لموقعه التنفيذي على مخاطبة أنشطة داخلية في سوح حزبه وكيان (الحركة الإسلامية)، بظهوره عبر لقاء تلفزيوني مباشر بث عبر قناة سودانية 24 (S24) مساء يوم الثلاثاء 8 يناير 2019م، ولعل أبرز ما ذكره الرجل وإستوقف المراقبين كثيراً يومها قوله نصاً في الدقيقة (56) والثانية (1) من تسجيل مقابلته التي بث على موقع اليوتيوب ما يلي نصاً:(الزول الداير يقلع النظام من خشم الأسد عليه أن يستعد لمنازلة هذا الأسد وأنا أهدى هذه المقولة التي جاءت على لسان أحد حكماء الشرق بالأمس لهؤلاء الذين يتحدثون أن الكبش يريدون ذبحه وأقول لهم بأن الإنقاذ ليست كبشاً وليست فريسة لياسر عرمان الذي يتحدث عن الفريسة، فهي ليست فريسة طريدة في الغابة وليست كبشاً يشترونه من طرف السوق ولكنه نظام له من إيمانه بربه وثقته بشعبه وإنجازه إعترافه بما أنجز وإعترافه بما أخفق ومن رجاله ونسائه الذين يحمونه ويفدونه ليس فقط أولئك الذين سقطوا أو إرتفعوا في ميادين الشهادة ويظن الناس أنهم قد ذهبوا وأن الذين بقوا هم تجار السلطة وأصحاب الغنائم وأقول لهم لا تلمزوننا، الآن هذا النظام لديه كتائب ومجموعات ومستعدة للتضحية.. هي تقف من خلف مؤسسات الدولة التي مطلوب منها أن تقوم بدورها في تسيير دولاب الحياة المدنية وبقية أوجه الحياة ولكن هناك كتائب ظل كاملة يعرفونها وأحسن نقول لهم هي موجودة وتدافع عن هذا النظام إذا ما إحتاج الأمر لتسيير دولاب العمل وتدافع عن هذا الأمر إذا ما إقتضي الأمر القيام بمهام العمل المدني وتدافع عن هذا النظام إذا ما إقتضي الأمر التضحية بالروح وهذا نظام تحرسه مثل هذه الإرادة وتحرسه من قبل ومن بعد عناية الله سبحانة وتعالى).
ما أورده على عثمان في هذه الجزئية التي أشرنا إليها أعلاه كان مدهشاً لأكثر العامة –أما بالنسبة للمشتغلين بالعمل العام فهو أمر لم يحتوى على جديد لمعرفتهم المسبقة بالرجل ومنهجه وأسلوبه- لمن قيض الله تعالي لهم الإستماع لحديثه، وكانت الصدمة أكبر لمن أحسنوا الظن به وتوسموا فيه الحكمة وتوقعوا أن تكون الفترة التي أمضاها خارج العمل التنفيذي الرسمي بالدولة الممتدة لست سنوات قد أتاحت له فرصة للتأمل والتمعن في الحال والمآل وشكلت لديه رؤية لكيفية التعامل مع الأزمات بالإستناد لسجل تجاربه منذ إنقلاب الإنقاذ وتوقعوا إستناداً لذلك أن يقول قولاً يفتح الطريق ويمهده لمعالجة أزمات البلاد بفيض من حكمته التي إكتسبها ولكن ...!!
كشف الرجل الذي تجاوز منتصف العقد السابع من عمره في تلك المقابلة التلفزيونية بجلاء كيف يفكر فعلياً من كان يعد أهم رجالات الإنقاذ وتعاطيه مع الأزمات والحلول التي يمكن أن يقدمها لها حينما تتفاقم الأمور، لقد إنتهت خبرات الرجل الطويلة لمعالجة الأمر والخروج من الأزمة بإختيار (التهديد والوعيد بالكتائب المدافعة عن النظام) وهي الوصفة التي نُفذت بحذافيرها فعلياً في اليوم التالي بإطلاق النار المباشر على المشاركين في موكب أمدرمان نهار التاسع من يناير 2019م مما أدي لإستشهاد عدد منهم وإصابة العديدين منهم بجروح بالغة.
في تلك الأمسية شاهد الناس على عثمان بوجه الحقيقي خالي من أي مساحيق ملمحاً بالعنف ومبيحاً للقتل وموزعاً للموت بالمجان ظناً منه أن السلطة والقوة هي أدوات الحسم ناسياً أن إرادة الشعوب منصورة ولو بعد حين، وأن عدالة السماء لن تحتجب وستظل حاضرة وموجودة حتي يحين ميقاتها لتنصر المظلومين والمستضعفين الذين قًتل أبنائهم وأخوانهم وأقاربهم بغير حق فتنصرهم على من ظلمهم وعادهم، وأن مكر الله تعالي أكبر من تدبير وكيد البشر ويمهلهم ليحق عليهم عذاب يحسبونه بعيداً ونراه قريباً، ولعل أولي بشرياته أن تظهر الحقائق الغائبة وتبان عياناً جهراً لكل الناس.
رسالتنا الأخيرة لعلى عثمان:"رص رصاصك وأجمع منه ما إستطعت لمجابهة شباب وشيب السودان الذين لن يخلفوا موعداً أبداً وسيكونوا حضور في الزمان والمكان شاهرين هتافهم يشقون به عنان السماء ليلقوا الرعب في قلبك وقلوب من معك. وأعلم أنهم لن ينزلقوا أبداً ومطلقاً لساحة العنف التي تجيدها أنت وكتائبك لتحرقوا البلاد ولكنهم سيصبروا حتي ينتصروا لأنهم يعلمون مقدار يأسك التام من المستقبل الذي لفظكم، في ما هم يحدوهم الأمل والإيمان بأن الغد سيكون أفضل لهم ولوطنهم بعدما يتحرروا من عهدكم المستبد الفاسد الظالم القاتل. أنهم يعلمون أنك الآن دون مرات سابقة صادق في قولك وأن كتائبك مستعدة لتحصد منهم العشرات وربما المئات بل حتى الالاف لكنهم مؤمنين أكثر من اي وقت بأنك وجمعك ستهزمون في خاتمة المطاف طال أم قصر الزمان.. ولو من الله عليك بقليل من البصر وبعض البصيرة لإكتشفت بكل يسر أن من ينازلونك اليوم في الشوارع جلهم قد ولدوا بعد قياداتك للمفاصلة في بداية القرن الحالى ..!! فقل وأفعل ما تشاء فقد كُتب عليك أن تُذكر في كتب التاريخ للأجيال القادمة بأنك الرجل الذي مزق وطنه وقتل شعبه وشق تنظيمه من أجل الظفر بمقعد حكم نُزع منه رغم كل ما قام به من قول وفعل وما بذله من تفكير وتدبير!!".